بين موسى والخضر والغلام
يذكر القران كغيره من الكتب "السماوية" والاساطير القديمة قصصا عجيبة غريبة لا يقبلها المنطق ولا يستسيغها العقل ... ولعل سورة الكهف قد حازت على النصيب الأكبر في ترويجها لمثل هذه القصص التي تشكل امتدادا للأساطير السريانية والمسيحية واليونانية وغيرها كقصة أهل الكهف مثلا ... ومن بين هذه القصص التي طالما أرقتني وأصابتني بالحيرة حتى يوم كنت معتقدا بنبوة محمد هي قصة موسى والخضر والغلام ...والتي يرويها القران : فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ... وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ... فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ...
فالخضر هنا الذي يبدو انه يتواصل مع الله كغيره من الأنبياء يصطحب موسى في جولة مشترطا عليه عدم السؤال على ما سيقوم به لاحقا ... قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ...
لقد قتل الخضر غلاما بوحي من الله خشية على والديه أن يرهقهما طغيانا وكفرا ... فالله اذا يقتل من يحتمل ان يمارس يوما طغيانه وكفره اي ان الله يناصب العداء للكافرين والطغاة رغم ان التاريخ مليىء بهؤلاء الذين لاحقوا وصلبوا وأحرقوا وعذبوا أعدادا لا تحصى من المؤمنين يفترض ان يكونوا قد حركوا ما في الله من رحمة وحب وعطف تجاه عباده الصالحين وما فيه من كره و بغض للطغاة والكافرين ... لكن الله لسبب غير معلوم قد فضل الإختفاء ليختار فقط والدي ذلك الغلام ليخشى عليهما من طغيان وكفر ابنهما !! فلماذا يترك الله أعدادا لا تحصى من عباده معرضين لأقسى أساليب الطغيان دون ان يرسل لهم من يقتل ذلك الطاغية او دون ان يقتل ذلك الطاغية حين كان طفلا كما فعل مع الغلام لينجيهم من طغيانه !!
واذا كان الله في علمه أن ذلك الغلام سيرهق والديه طغيانا وكفرا فلماذا يقوم بخلقه ليقوم بعدها بقتله ! يخلق طفلا ليقتله دون أن يكون ذلك الطفل قد مارس أي شكل من أشكال الكفر او الطغيان .. ويرسل أنبيائه ليقتلوا غلاما خشية على والدين من الكفر والطغيان دون أن يرسل أحدا ليتعامل بنفس ذلك الأسلوب مع الطغاة السفاحين الكبار !!
- إذا كان الله يعلم ما كان وما سيكون ويعلم مستقبلنا وأفعالنا التي قدرها لنا سابقا فلماذا لا يحاكمنا مباشرة لأنه كلي العلم ! -
يرد المتدينون على ذلك بأن الإنسان قد منح إرادة حرة تجعل منه مخيرا لا مسيرا وذلك لا يتناقض مع تقدير الله لأفعالنا مسبقا .. فما حياتنا الدنيا سوى حجة علينا يوم الحساب أمام الله .. فلو لم يمنحنا الله هذه الحياة والقدرة على الاختيار لكان جائزا أن نطالبه حينها بفرصة لاتخاذ قراراتنا وتقرير مصائرنا ... وتعالى الله على أن يكون من الظالمين !!
لكن هذا الغلام قد أوحى الله بقتله دون أن يكون قد مارس حرية الاختيار ودون ان يملك الفرصة لتجنب إرهاق والديه طغيانا وكفرا ... اذا فالله هنا يخرج بشكل مفاجىء على خطته وحكمته من مجيئنا الى هذا الوجود ... ليقتل طفلا بريئا مرسلا اياه الى الجحيم لعلمه أنه سيغدو طاغية كافرا مرهقا لوالديه قبل أن يصبح ذلك الطفل طاغية كافرا مرهقا لوالديه ...
فلماذا لا يقتل الله الطغاة كم فعل مع ذلك الغلام قبل ان يتحولوا الى طغاة ... ولماذا الانحياز لوالدي الغلام دون سائر الناس الذين قاسوا من الكفر والطغيان ... ولماذا يخلق الله ليقتل بدل أن يتجنب الخلق ليتجنب القتل .. لماذا يتمرد على منطقه ويخرج على حكمته من مجيئنا الى هذا الوجود الذي سيكون حجة له أمامنا ليقتل طفلا لن يكون له أمامه حجة سوى ادعائه بأنه كلي العلم ليكون لذلك الغلام حينها الحق في المطالبة بمنحه فرصة لاختيار قراراته وليكون الله بعد ادعائه ذلك -انه قاتل الغلام لكلية علمه- قد سقط أمام سؤالنا : لماذا يأتي بنا الله إذا الى هذا الوجود بدل محاكمتنا مباشرة لكلية علمه !!
وحين يضع كائن كلي القدرة والعلم خطة تسير وفقها الحياة والقوانين فلا بد أن تكون هذه الخطة محكمة لا تتفوق عليها أو تضاهيها خطة أخرى لأنه أي هذا الكائن كلي العلم ... والمحتج الرافض لهذه الخطة البالغة الحكمة والدقة والاتقان سيكون جاهلا سفيها ... فالله حينئد بتمرده على خطته بقتله لذلك الغلام يكون واقعا في السفه والجهالة ... ولطالما كان الله كذلك في روايات وتفاسير المؤمنين به .
بنيامين- gospel_of_christt